لقد ارتكزت قراءة النص الأدبي، قراءة اجتماعية، على محور العلاقة بين الأديب (الفرد المبدع) وبين النص على اعتبار أن كلا منهما، مفتاح لفهم وقراءة الآخر، واهتمت بدراسة الواقع الاجتماعي، وإشكالياته وقضاياه.
وإن كانت أعمال هيبوليت تين، منطلقا أساسيا للمنهج الاجتماعي، فإن ثمة إسهامات أخرى لغيره، حاولت أن تعطي لهذا المنهج صورته الأدبية، ونقصد بها محاولات كارل ماركس، وجورج لوكاتش، ولوسيان غولدمان، وبيير زيما، وغيرهم ... وأمام تعدد أنصار المنهج الاجتماعي نلقى تعدد النظريات والاتجاهات في دراسة علم اجتماع الأدب، مثل : نظرية التيار الجدلي ونظرية الانعكاس الماركسي ونظرية رؤيا العالم. فأي نظرية اعتمدها نجيب العوفي صاحب هذه الدراسة؟ وما خصوصيات منهجه ؟ وما هي المبادئ الأساسية التي استند إليها في دراسة المجموعة القصصية "رجل وامرأة" ؟ وما هي المفاهيم التي وظفها ؟ ثم إلى أي حد كان موضوعيا في تفسيراته وأحكامه ونتائجه ؟
إن أول شيء يسترعي الاهتمام ويستحق وقفة تأملية هو العنوان : (البعد الاجتماعي في الكتابة القصصية) لما له من دلالة خاصة بين مجموع الدلالات الحاضرة في الدراسة، فهو بمثابة علامة تواصلية دالة وموحية، تؤشر على معطيات قبلية تساعد القارئ على استحضار الموضوع الذي يطرحه النص.
إنه بمجرد قراءتنا للعنوان نستطيع أن نقف على مؤشرين دالين على موضوعه، ويتحدد ذلك في عبارتي (البعد الاجتماعي) و (الكتابة القصصية). فهذان المؤشران يوحيان بأن الكاتب يحاول توظيف المنهج الاجتماعي في دراسته للقصة القصيرة (المجموعة القصصية : رجل وامرأة لرفيقة الطبيعة).
هكذا ينطلق الكاتب في نص الدراسة من تحديد دوافع ممارسة المجموعة القصصية (رجل وامرأة) رحلتها الاستكشافية، حيث تسعى لرصد العلاقة الجدلية المعقدة بين الجنسين. من ثم، انتقل إلى استخلاص الطريقة التي حققت بها الكاتبة، الانتقال من عنصر الذات إلى الجانب الاجتماعي، وذلك عبر تجاوز الذات والنزول إلى حضيض المجتمع لتستمد منه لوحات قاتمة تفضح الأوضاع الملوثة.
ويرى العوفي، أن الشروط التي تتطلبها الرؤية الاجتماعية في الكتابة القصصية تتمثل في التخلص من نوبات الذات والاندماج الكلي في المضمون الاجتماعي، وهو ما لم تتصف به رفيقة الطبيعة عند تأثرها بالجانب الذاتي وعدم قدرتها على استيعاب الحدث الاجتماعي بكل أبعاده. من هنا، حدد الكاتب وجهة نظره العامة في مسألة الرؤية الاجتماعية في العمل القصصي، وأقر بأنه لم يسلم من بعض "رتوش" الذاتوية وتأثيراتها. ويبقى المنظار الذي ترصد به الكاتبة هموم المجتمع في كتابتها القصصية، يعتمد الرؤية الحادة والصادقة في نفس الآن لأنها تنقل التفاصيل والجزئيات مباشرة من الواقع.
وفي الأخير خلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أن القصة الاجتماعية عند الكاتبة لا تتيح إلا قدرا ضئيلا من التوازن بين الملامح الجوهرية للفكرة وبين ملامحها الخارجية الفاقعة.
وقد استند الكاتب في عرض هذه المضامين على جملة من المصطلحات والمفاهيم، تدل على مقاييس المنهج الاجتماعي الذي درس به المجموعة القصصية. ويمكن تحديد ذلك مع بيان دلالتها في الجدول التالي:
وتبقى العلاقة بين الظواهر الاجتماعية والأدب، علاقة تكامل وتلازم. من ثم، يؤكد الكاتب أن الرؤية الاجتماعية للأدب تتطلب الاندماج الكلي في المضمون الاجتماعي. ويمكن جرد هذه الظواهر التي يرى الكاتب أن المجموعة القصصية ركزت عليها، وفق معطيات الجدول الآتي:
أما بالنسبة لموقف الكاتب من كيفية تعامل الكاتبة مع عناصر القصة فنعرض له في الجدول التالي:
وقد سلك الكاتب في عرض مواقفه على المجموعة القصصية، مسلكا استنباطيا حيث انطلق في البداية مما هو عام، وهو الوقوف على دوافع التأليف لينتقل بعد ذلك، إلى القراءة التحليلية لجرد موضوعات القصة واستخلاص الجوانب الاجتماعية الواردة فيها، ثم الوصول في النهاية إلى إبداء موقفه من كيفية تعامل الكاتبة مع عناصر القصة ومقوماتها.
وقد اعتمد الكاتب في تطبيق هذا المنهج على بعض الآليات والوسائل النقدية منها :
-التفسير: ويظهر في توضيحه لبعض المفاهيم والمصطلحات الأدبية مثل : المنظار النقدي / القصة الاجتماعية ...
-الوصف: ونجده عند لجوء الكاتب إلى وصف بعض المقومات والأسس التي ارتكزت عليها القصة لدى رفيقة الطبيعة (راجع الفقرة الأخيرة من النص).
-التمثيل: ويبدو واضحا في استعمال الكاتب لبعض الأقوال والأمثلة من قبيل (لتنحشر في الزحام بحثا عن النموذج – الفارس / القصة مثل عقدة الليل / هو الخامس من مجموعة أكواخ بلا إنارة ...).
ولاريب أن المتأمل في هذه الدراسة ، يستطيع أن يقف على بعض الظواهر الأسلوبية التداولية، وبخاصة ما يتصل منها باتساق النص وانسجامه. ويكفي للتأكد من ذلك متابعة ما وظفه الكاتب من مؤشرات إحالية وتداولية، ومنها :
-الروابط الإحالية النصية، مثل :
*-الضمائر: (ضمير الغائب (ها)، هو، نا الدالة على الجماعة، هي، ...).
*-أسماء الإشارة: (هذه، تلك، ذلك، هذا، ...).
-الروابط الإحالية المقامية: مثل :
*-الإحالة الخارج نصية، مثل قول الكاتب : (يهيئنا / تتمرّغ في القطاعات التحتية/ إن هذا الحدث لا يصل إلينا بالهوية نفسها التي يوجد عليها في الواقع).
-الروابـط المنطقيـة:
*-مبدأ التضمين: تجاوز مجال الذات إلى مجال الواقع / التخلص من نوبات الذات ... والاندماج الكلي /.
*-مبدأ السببية: ... من ثم فهي تلح ... على التقاط الجوانب الصارخة / من ثم تتدرج شخصياتها ...
*-مبدأ التشابه: النموذج / الفارس – الذات / الواقع – الذات / الموضوع.
-التكــرار المعجمـي:
ويتجسد من خلال تكرار كلمات وعبارات بعينها، تشكل موضوع الخطاب، وتساهم في تحقيق اتساق للنص، ومنها : المجتمع، الذات، الاجتماعية، المجموعة، الإطار الواقعي الوصفي، الحدث، المضمون الاجتماعي، ...
كما يمكن من جهة أخرى رصد بعض مبادئ الانسجام وعملياته وذلك استنادا إلى المؤشرات التالية :
-السياق وخصائصه: أي السياق الخاص الذي ورد فيه هذا النص (إبراز موقف الناقد ووجهة نظره في المجموعة القصصية)، ثم السياق العام الذي أنتجه فيه نجيب العوفي المتشبع بمبادئ المنهج الاجتماعي.
-مبدأ التأويل المحلي: ويتجلى من خلال بعض المفاهيم التي وردت في النص والتي تقيد طاقة المتلقي التأويلية عند قراءتها مثل : الطاقات التحتية / المضمون الاجتماعي / القصة الاجتماعية / النظرة الفوقية ...
-مبدأ التغريض: الذي تتجلى معالمه انطلاقا من المشيرات النصية الواردة في ثنايا التحليل، أو من خلال الحقول الدلالية الموظفة في النص.
وتأسيسا على كل ما تقدم، نستطيع أن نقر بأن الكاتب / الناقد، ركز في عمله النقدي على المضمون الفكري للمجموعة القصصية (رجل وامرأة) في شقه الاجتماعي، ودرس كيفية تعامل الكاتبة مع المحيط والواقع، وأبان عن علاقة ذات الكاتبة بهذا الواقع. وقد كان في كل ذلك محايدا وموضوعيا في وجهة نظره ومواقفه النقدية، حيث لاحظنا كيف أن إجراءات تطبيق المنهج الاجتماعي فرضت عليه الاعتماد على القراءة التفاعلية بعيدا عن أي تعصب أو تنفير. وقد استعان الكاتب في دراسته بعدة آليات تقنية، كالمسلك الاستنباطي والتفسير والوصف والتمثيل، ودعم هذه الآليات ببعض الوسائل الأسلوبية التداولية، وبخاصة ما يتصل منها باتساق النص، وتماسكه، كالروابط والتكرار ومبادئ الانسجام.